الدكتور أحمد الشناق يكتب
د.أحمد الشناق يكتب...
#سيادة_القانون عماد #الدولة_الحديثة
دولة سيادة القانون، متطلب ضروري للتحول الديمقراطي.
لقد جاءت مخرجات المنظومة الملكية للتحديث السياسي، لإحداث نقلة نوعية بالحياة السياسية والحزبية والبرلمانية، واصبحت هذه المخرجات قوانين نافذة وأحكام دستورية فاعلة، بتحديث وتطوير على النظام السياسي بأهداف وطنية كبيرة، لتحدد مستقبل الأردن السياسي، وفق إرادة وطنية سياسية من الملك، لتلتقي مع إرادة الأردنيين، نحو دولة وطنية ديمقراطية حديثة، نابعة من الذات الوطنية الأردنية، لنموذج ديمقراطي اردني نحو حكومات حزبية برلمانية.
لقد إنطلق هذا المشروع بعد نفاذ أحكام قوانينه، ولكنه بقي حبيس بنية الدولة بأشخاصها ونهجها التقليدي، دون تغير في بنية إدارتها ومؤسساتها، للتعامل وفق هذا التطور الكبير والعميق بمنظومة إصلاحية غير مسبوقة لمستقبل الأردن السياسي، ولنمط جديد في إدارة شؤون الدولة، بما جرى من إصلاحات جذرية على قانون الإنتخابات، وهو الركن الأول من نظام الحكم { النيابي الملكي الوراثي } كنموذج لدولة ديمقراطية حديثة.....
وعلى ضوء ما تقدم، تبقى أسئلة مشروعة يتم طرحها !
- هل الدولة الاردنية، أحدثت التغيرات المطلوبة، لترسيخ مبدأ سيادة القانون، في أداء السلطات والمؤسسات، لتواكب التحول الديمقراطي ؟
- إلى متى هذا المشروع الملكي الوطني بأهدافه الكبيرة بالتحديث والتطوير وإلاصلاح، سيبقى على نظام الفزعة والشخصنة، وكأنه مشروعاً للإنتهازية والوصولية، وهذا المشهد العام، ما بين إتهام وتشكيك وإدعاءات البعض بالوصاية والضوء الأخضر والمختلف ألوانه ، ليصبح الوضع العام اشبه بفوضى، بمواجهة إحباط شعبي وعزوف وفقدان الثقة بالدولة، سلطات ومؤسسات، وتعامل بنهج تقليدي، وتعليمات هي ابعد ما تكون عن تحول ديمقراطي.
وهذا التغيب لمبدأ سيادة القانون، عماداً للدولة الديمقراطية الناجحة والفاعلة بإرادة المواطنين.
وهل رؤية الملك لدولة سيادة القانون، تجد فعلياً تطبيقات على أرض الواقع ؟ هذه الرؤية كما وردت في الورقة الملكية النقاشية السادسة، نورد بعض من مضامينها،....
فهل تجد آليات لتفعيلها ؟ ونتساءل هل يمكن تفعيلها دون تغيرات عميقة في بنية الدولة، على مستوى الرؤية والأداء للمؤسسات والأشخاص في مواقع المسؤولية ؟
{ من الورقة النقاشية الملكية السادسة }
سيادة القانون عماد الدولة
ولنتمكن من تعزيز منعتنا ومواجهة التحديات بثقة وصلابة ونحقق النمو والازدهار، هناك موضوع رئيسي أطرحه في هذه الورقة النقاشية؛ وهو بالنسبة لي ما يميز الدول المتقدمة الناجحة في خدمة مواطنيها وحماية حقوقهم، وهو الأساس الحقيقي الذي تُبنى عليه الديمقراطيات والاقتصادات المزدهرة والمجتمعات المنتجة، وهو الضامن للحقوق الفردية والعامة، والكفيل بتوفير الإطار الفاعل للإدارة العامة، والباني لمجتمع آمن وعادل؛ إنه سيادة القانون المعبِّر الحقيقي عن حبنا لوطننا الذي نعتز به. إن إعلانات الولاء والتفاني للأردن تبقى مجردة ونظرية في غياب الاحترام المطلق للقوانين.
- إن مسؤولية تطبيق وإنفاذ سيادة القانون بمساواة وعدالة ونزاهة تقع على عاتق الدولة. ولكن في الوقت نفسه، يتحمل كل مواطن مسؤولية ممارسة وترسيخ سيادة القانون في حياته اليومية. أقول هذا لأنني أعرف من التجربة أن كل فرد يقبل ويتبنى مبدأ سيادة القانون من الناحية النظرية، ولكن البعض يظنون أنهم الاستثناء الوحيد الذي يُعفى من تطبيق هذا المبدأ على أرض الواقع. بغض النظر عن المكانة أو الرتبة أو العائلة، فإن مبدأ سيادة القانون لا يمكن أن يمارس بانتقائية.
- وعندما أرى اليوم الحالة المروعة والمحزنة للعديد من الدول في منطقتنا، أجد من الواضح أن غياب سيادة القانون والتطبيق العادل له كان عاملا رئيسيا في الوصول إلى الحالة التي نشهدها.
- إن طموحي لبلدنا وشعبنا كبير لأن هذا ما تستحقونه. ولكي نحقق أهدافنا ونواصل بناءنا لوطننا فإن سيادة القانون هي الأساس الذي نرتكز إليه والجسر الذي يمكن أن ينقلنا إلى مستقبل أفضل. وأطلب من كل مواطن أن يعبر عن حبه لبلدنا العزيز من خلال احترامه لقوانينه، وأن يكون عهدنا بأن يكون مبدأ سيادة القانون الأساس في سلوكنا وتصرفاتنا.
- سيادة القانون أساس الإدارة الحصيفة
إن مبدأ سيادة القانون هو خضوع الجميع، أفراداً ومؤسسات وسلطات، لحكم القانون. وكما ذكرت، فإن واجب كل مواطن وأهم ركيزة في عمل كل مسؤول وكل مؤسسة هو حماية وتعزيز سيادة القانون. فهو أساس الإدارة الحصيفة التي تعتمد العدالة والمساواة وتكافؤ الفرص أساسا في نهجها.
- إن مبدأ سيادة القانون جاء ليحقق العدالة والمساواة والشفافية والمساءلة على جميع مؤسسات الدولة وأفرادها دون استثناء وخاصة ممن هم في مواقع المسؤولية، من خلال ممارسات حقيقية على أرض الواقع. ولا يمكن لأي إدارة أن تتابع مسيرتها الإصلاحية وترفع من مستوى أدائها وكفاءتها دون تبني سيادة القانون كنهج ثابت وركن أساسي للإدارة.
- إن التطبيق الدقيق لمواد القانون يعد من المتطلبات الضرورية لأي عملية تحول ديمقراطي ناجحة. كما أن سيادة القانون تضمن ممارسة أجهزة الدولة لسلطاتها وفق الدستور والقانون. فلا يمكن لدولة ديمقراطية تحترم حقوق الإنسان أن تعمل خارج هذا الإطار. لذا، تشترك الحكومة وأجهزة الدولة كافة في حمل مسؤولية ما تتخذه من قرارات وسياسات وإجراءات
- إن القضاء المستقل النزيه والأجهزة الأمنية مناط بها تطبيق القانون، ليطمئن المواطن بأنه يستظل بسيادة القانون الذي يحميه ويحمي أبناءه دون تمييز أينما كان في ربوع هذا الوطن العزيز. وهذا يتطلب بالضرورة تطبيق القانون على الجميع دون محاباة أو تساهل وعلى المسؤول قبل المواطن، كما يجب أن يستند إلى تشريعات واضحة وشفافة، وإدارة حصيفة وكفؤة.
- إن التواني في تطبيق القانون بعدالة وشفافية وكفاءة يؤدي إلى ضياع الحقوق ويضعف الثقة بأجهزة الدولة ومؤسساتها. كما أن تساهل بعض المسؤولين في تطبيق القانون بدقة ونزاهة وشفافية وعدالة ومساواة يشجع البعض على الاستمرار بانتهاك القانون ويترك مجالا للتساهل الذي قد يقود لفساد أكبر، بل إلى إضعاف أهم ركائز الدولة، ألا وهي قيم المواطنة.
-- سيادة القانون عماد الدولة المدنية
كثر الحديث في الآونة الأخيرة عن الدولة المدنية، وقد حدث لغط كبير حول مفهوم هذه الدولة، ومن الواضح أنه ناتج عن قصور في إدراك مكوناتها وبنائها. إن الدولة المدنية هي دولة تحتكم إلى الدستور والقوانين التي تطبقها على الجميع دون محاباة؛ وهي دولة المؤسسات التي تعتمد نظاما يفصل بين السلطات ولا يسمح لسلطة أن تتغول على الأخرى، وهي دولة ترتكز على السلام والتسامح والعيش المشترك وتمتاز باحترامها وضمانها للتعددية واحترام الرأي الآخر، وهي دولة تحافظ وتحمي أفراد المجتمع بغض النظر عن انتماءاتهم الدينية أو الفكرية، وهي دولة تحمي الحقوق وتضمن الحريات حيث يتساوى الجميع بالحقوق والواجبات، وهي دولة يلجأ لها المواطنون في حال انتهاك حقوقهم، وهي دولة تكفل الحرية الدينية لمواطنيها وتكرس التسامح وخطاب المحبة واحترام الآخر وتحفظ حقوق المرأة كما تحفظ حقوق الأقليات.
إن هذه المبادئ تشكل جوهر الدولة المدنية، فهي ليست مرادفا للدولة العلمانية، فالدين في الدولة المدنية عامل أساسي في بناء منظومة الأخلاق والقيم المجتمعية، وهو جزء لا يتجزأ من دستورنا. ولا يمكن أن نسمح لأحد أن يستغل أو يوظف الدين لتحقيق مصالح وأهداف سياسية أو خدمة مصالح فئوية.
ولنا أسوة في رسول الله، صلى الله عليه وسلم، عندما كتب ميثاق صحيفة المدينة عند هجرته إلى المدينة المنورة من أجل تنظيم العلاقة بين جميع الطوائف والجماعات فيها، ومنها المسلمون واليهود والمهاجرون والأنصار. وقد اعتبره الكثيرون إنجازا هاما للدولة الإسلامية ومعلما رئيسيا في تاريخها السياسي، كما ينظر الكثيرون إلى ميثاق صحيفة المدينة على أنه أول دستور مدني في التاريخ، حيث اعتمد على مبدأ المواطنة الكاملة، فقد ساوى بين المسلمين وغير المسلمين من حيث الحقوق والواجبات تحت حماية الدولة مقابل دفاعهم عنها. وقد شمل الميثاق محاور عدة أهمها: التعايش السلمي والأمن المجتمعي بين جميع أفراد المدينة، والمساواة بينهم جميعا فيما يتعلق بمبدأ المواطنة الكاملة من حيث المشاركة الفاعلة في مجالات الحياة المتعددة، واحترام وحماية حرية الاعتقاد وممارسته، والتكافل الاجتماعي بين فصائل الشعب، وحماية أهل الذمة والأقليات غير المسلمة، والنصح والبر بين المسلمين وأهل الكتاب، وغيرها.
- وجملة القول أن الدولة المدنية هي دولة القانون التي تستند إلى حكم الدستور وأحكام القوانين في ظل الثوابت الدينية والشرعية، وترتكز على المواطنة الفاعلة، وتقبل بالتعددية والرأي الآخر، وتُحدد فيها الحقوق والواجبات دون تمييز بين المواطنين بسبب الدين أو اللغة أو اللون أو العرق أو المستوى الاقتصادي أو الانتماء السياسي أوالموقف الفكري.؛ ( إنتهى الإفتباس )
هذه المضامين والمرتكزات للرؤية الملكية لدولة سيادة القانون، مؤكداً أنها تتطلب نهجاً جديداً في أداء الدولة، سلطات ومؤسسات، ولتغيرات عميقة وجذرية، لإنجاح مشروع الدولة الاردنية الديمقراطية الحديثة، جوهر تحقيقها بسيادة القانون وتطبيقاته على الحكام والمحكومين سواء بسواء
جلالة الملك عبدالله الثاني بن الحسين
الدكتور #أحمد_الشناق